لا يترك "هاني شاكر" الفرصة تفلت منه باعتباره أحد الحراس الكبار المخضرمين للأغاني الرصينة إلا وينهال تليفزيونياً وصحفياً بالهجوم على أغنيات الفيديو كليب مشيراً إلى أن التردي في الذوق هو الذي صنع من أمثال "أبو الليف" ظاهرة يقبل عليها الشباب.
وكانت برامج شهر رمضان فرصة ذهبية لكي تتحول إلى منصة لهاني شاكر يطلق خلالها صواريخه المضادة للإسفاف ودائماً ما يلقي "هاني" باللائمة على الفضائيات باعتبارها هي الفاعل الأصلي للإضرار بالذوق العام؟!
هل صحيح أن الفضائيات لعبت هذا الدور؟ لو تتبعت ما يجري في نحو 700 فضائية ناطقة بالعربية سوف تكتشف أن كل الأطياف متوفرة قنوات متزمتة تمنع المرأة من الحضور عبر الشاشة حتى ولو كانت منقبة.. قنوات أخرى لا تتورع أن تقدم أغنيات دأب البعض على وصفها بـ "البورنو كليب" ولا تخجل من ذلك حتى في شهر رمضان!!
الذوق العام كان وسيظل هو نتاج كل ذلك تستطيع أن ترى انغلاق في جانب يقابله انفتاح غير محدود على الجانب الآخر.. لا يمكن أن تضع قيوداً مسبقة تمنع ما هو ضد قناعاتك وتبيح فقط ما يتوافق معك.. عبر التاريخ كان يوجد إسفاف وخلاعة وعلى المقابل هناك فن وإبداع يتصدى له.. الذي فعلته الفضائيات فقط هو أنها ساهمت في سرعة الانتشار للوجهين لكنها لم تخترع شيئاً.. والملاحظة الجديرة بالتأمل هي أن نسأل أنفسنا هل تنتصر الخلاعة على الجدية وهل الخلاعة مقترنة بزمن دون آخر؟
إليكم إجابتي في مطلع القرن العشرين كان الشارع المصري يغني عدداً من الطقاطيق الغنائية الخليعة مثل "ارخي الستارة اللي في ريحنا" و "ساعة العشا يحلى الهزار والفرفشة" وفي نفس الوقت يحفظ قصائد رصينة مثل "بحقك أنت المنى والطلب" و "بلادي بلادي" و "قوم يا مصري".. التيار المتردي لم ينجو منه حتى كبار الملحنين والمطربين.. "سيد درويش" لحن "شفتي بتاكلني أنا في عرضك خليها تسلم على خدك".. و"أم كلثوم" غنت طقطوقة عنوانها "الخلاعة والدلاعة مذهبي" وهو ما دفع "أحمد رامي" لأن يكتب لها على نفس الوزن "الخفافة واللطافة مذهبي" ومع الزمن بالطبع سقطت الأغنيات الخليعة التي انتشرت ورددها الناس في ذلك الزمن ولم يبق إلا "بلادي بلادي"!!
الإسفاف الفني لا يمكن أن يصبح هو السائد.. أفلام "البورنو" في العالم كله لم تحقق إيرادات في شباك التذاكر تتجاوز مثلاً الأفلام الرومانسية والأكشن والخيال العلمي.. تصنف دائماً الأفلام "البورنو" بأنها درجة ثالثة ولها في العالم دور عرض وأيضاً في بعض الدول العربية مسموح بعرضها ولكن بإقبال ضئيل جداً لا يشكل أي ظاهرة.
أين المطربات اللاتي ارتبطن بأغنيات الفيديو كليب المتجاوزة هل يتذكر أحد الآن بوسي سمير مطربة "السطوح" أو نجلا مطربة "الحصان" برغم ما حققتاه قبل بضع سنوات من انتشار.. تتبخر وتنتهي سريعاً هذه الأغنيات ويسقط من الذاكرة تماماً حضور مطربيها.. المطلوب من "هاني شاكر" ورفاقه أن يواصلوا تقديم أعمالاً فنية وليس تصريحات غاضبة.. الناس لديها مؤشر للاختيار وإذا استطاع الفنان الاستمرار والتمرد والتغير ليظل على الموجة مع جمهوره فلا خوف على الفن.. انحطاط الذوق يسود فقط عندما يرفع فنان ملتزم الراية البيضاء ويعلن اعتزاله في هذه الحالة فقط قل على الفن السلام.
لقد فعلها مرة "هاني شاكر" قبل بضع سنوات واعتزل احتجاجاً على ما آل إليه حال الغناء ثم عاد ليقف في طليعة المطربين.. عليه الآن أن يواصل من خندقه إطلاق الأغنيات التي تعدل ميزان القوى في الساحة الغنائية وتجعله يميل أكثر لكفة الإبداع.. أما إطلاق التصريحات التي تشجب وتنتقد فلا أتصور سوى أنها تبديد للطاقة لأن العملة الغنائية الجيدة هي الوحيدة القادرة على طرد الرديئة!!